ترامب يفوز- أزمة الديمقراطيين وأمل الشرق الأوسط في السلام.

المؤلف: نجيب يماني11.07.2025
ترامب يفوز- أزمة الديمقراطيين وأمل الشرق الأوسط في السلام.

لم يكن انتصار المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وعودته المظفّرة إلى البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية، مفاجأة لي على الإطلاق؛ بل على النقيض من ذلك، كنت أتوقّع ذلك بقوة، رغم استطلاعات الرأي العام التي أشارت إلى منافسة متقاربة مع منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. غير أن النتائج النهائية كشفت عن فوز ساحق لترامب، لا ينسجم إطلاقًا مع التوقعات والتحليلات التي تصوّر صراعًا انتخابيًا شرسًا ومتقاربًا بين المرشحين.

هذا الفوز الكاسح الذي حققه ترامب يعكس بجلاء الأزمة المستمرة التي يواجهها الحزب الديمقراطي كلما تسنّم سدّة الحكم في البيت الأبيض، وأدائه المتواضع في التعامل مع الملفات الخارجية، وخاصةً تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط. لا يمكن لأحد أن ينسى التصريحات المستفزة التي أدلى بها جو بايدن، الرئيس المنتهية ولايته، تجاه المملكة العربية السعودية، حتى قبل توليه منصبه، الأمر الذي خلق حاجزًا وتوترًا في العلاقات المباشرة. لولا حكمة القيادة السعودية، وإدراكها للصلات المتينة والمصالح الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكانت ردة الفعل حيال تلك التصريحات عنيفة، بما يتناسب معها من إجراءات سياسية ودبلوماسية تضع الأمور في نصابها، وتُعرّف كل طرف بمكانته، وما يستحقه من احترام للأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية المعتمدة.

إن أسباب هزيمة الحزب الديمقراطي في هذه الانتخابات قد بلغت ذروتها في حالة الاستياء العميق داخل الحزب من إصرار بايدن على الترشّح لولاية ثانية، في ظل افتقاره إلى المؤهلات الضرورية لذلك، سواء على الصعيد السياسي أو النفسي أو الجسدي. هذا الأمر دفع العديد من داعمي الحزب إلى إعلان رفضهم دعم وتمويل حملته الانتخابية. وجاء الإعلان عن ترشيح كامالا هاريس كبديلة عنه في السباق الرئاسي في وقت متأخر جدًا، بينما كان الحزب الجمهوري قد حسم أمره باكرًا، وأعلن عن ترامب مرشّحًا له، وانطلق في حملته الانتخابية بقوة، وسحب البساط من تحت أقدام الديمقراطيين.

بدأت ملامح سقوط الحزب الديمقراطي تظهر بوضوح منذ السنة الثانية لولاية بايدن، حيث كان الحزب يقود الولايات المتحدة الأمريكية نحو مسار مُفعم بالمخاطر على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء. ففي عهده، اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، وبلغت ذروتها بالتهديد الروسي بتحويلها إلى حرب نووية شاملة. ومع تصاعد حدة هذه الحرب، اندلعت النيران في الشرق الأوسط، وتحوّلت في فترة وجيزة إلى مأساة إنسانية بدعم أمريكي صريح، وتجاهل للنداءات الإنسانية المتزايدة التي تدعو إلى تغليب الجانب الإنساني وإغاثة المدنيين، الذين ما زالوا يسقطون بالعشرات والمئات كل يوم، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن. لقد كان ترامب أذكى وأكثر فطنة من كامالا هاريس، حيث استغل هذه النقطة المحورية وركّز عليها في حملته الانتخابية، مروجًا لقدرته وعزمه على إنهاء كافة الحروب التي اندلعت في عهد بايدن. هذا التوجه – بغض النظر عن الآليات التي سيستخدمها لتحقيقه – يتماشى مع الرغبة العالمية، والتطلعات المحلية الأمريكية، في إنهاء صراع أدخل الولايات المتحدة في موقف حرج بسبب التجاوزات الإنسانية غير المبررة التي ظهرت على الساحة. لهذا السبب، فإن وقف هذه الحرب في الشرق الأوسط تحديدًا، ومنع توسعها إلى الساحة اللبنانية، هو رهان كسب به ترامب أصوات الناخبين العرب في الولايات المتحدة، وتوجه يحمل في طياته الأمل بولاية أمريكية جديدة، تعيد ترتيب الأوضاع العالمية على أساس السلام والأمن. ولعلّ الدليل على ذلك هو السرعة التي أرسل بها عدد من الزعماء في دول الشرق الأوسط برقيات التهنئة لترامب بفوزه، وتطلعهم للعمل معه بما يتناسب مع العلاقات التاريخية الوثيقة القائمة بين بلدان المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، وسعي الجميع إلى تعزيزها وتنميتها في شتى المجالات.

شعار إيقاف الحروب، الذي رفعه ترامب عاليًا في خطابه الذي ألقاه عقب فوزه يوم الأربعاء الماضي، يفتح نافذة أمل واسعة للمنطقة في قرب انتهاء هذه الأزمة، وتخفيف حدة التوتر، الذي كاد أن يحولها إلى بؤرة اشتعال إقليمي، وقد يمتد ليصبح عالميًا في ظل هذه التوترات المتزايدة. فمتى ما أعلنت أمريكا عن قرارها الحاسم بوقف الحرب، فإن ذلك سيكون أمرًا لا مفر منه، بالنظر إلى دورها الواضح في دعمها للحرب في زمن بايدن. فهي الدولة الوحيدة القادرة على إملاء شروطها وقراراتها على إسرائيل، وكبح جماحها الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء الإنسانية في الفترة الأخيرة.

هذه النظرة المتفائلة تجاه ولاية ترامب الثانية لا تتجاهل أبدًا العديد من القضايا السلبية التي اتخذها بشأن قضايا الشرق الأوسط خلال ولايته السابقة. ولعلّ أخطرها هو الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، ونقل السفارة الأمريكية إليها، في خطوة رمزية تنطوي على انحياز للاحتلال، وتسهيل لمشروعه الاستيطاني المرفوض. نأمل أن تتدارك الإدارة الأمريكية الجديدة هذا الأمر، وأن تنظر إلى الوضع الحساس في الشرق الأوسط، وسط المتغيرات الجديدة، وأن تعمل على تغليب خيار العمل السياسي والدبلوماسي على الخيار العسكري، بما يؤدي إلى تنفيذ حل الدولتين، الذي يمثل أساس عملية السلام وجوهرها. هذا ما ظلت تؤكد عليه المملكة العربية السعودية وقيادتها، كلما طفا على السطح موضوع التطبيع مع إسرائيل، حيث أكدت أن الشرط الأساسي لذلك هو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهو شرط غير قابل للتفاوض، ومرتكز يجب مراعاته في أي مفاوضات ومباحثات في هذا الشأن.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة